الثلاثاء، 31 مايو 2011

مقدمه كتاب العقل الكونى!



في هذا الوقت من تاريخنا ، و وسط هذا التقدم الحضاري الكبير ، لا زال الكثير منا يتعرّضون لفكرة قديمة سائدة بين العامة تقول أن الواقع الذي ندركه من خلال حواسنا التقليدية ، ليس هو الواقع الحقيقي ، إن ما نراه قد لا يكون الحقيقة .

قال الفلاسفة القدماء مثل هيراقليطوس : " إن الأشياء متغيّرة على الدوام ، مهما كانت درجة صلابتها".. و علّم سقراط تلاميذه أن يتساءلوا عن كل شيء ، حيث قد لا تكون الأشياء كما تبدو عليه .. و أحد تلاميذه ، أفلاطون ، أعطانا المثال المشهور عن "الكهف" حيث قال أن الناس التي تقطنه تنخدع بظلال الأشياء و تظن أن تلك الظلال هي الحقيقة ، بينما الأشياء الحقيقية هي وراء ظهورهم لكنهم لا يرونها . و في الفلسفة الشرقية ( الهندية عامة ) ، علّموا أن الواقع الذي يدركه الإنسان ليس سوى " وهم" ، حيث أن العالم المادي هو "حلم" و يجب على الإنسان أن يصحوا منه .

و الأديان السماوية علّقت أهمية كبيرة على "الجنة" بدلاً من "الدنيا". فالجنة هي الواقع الأبدي الذي يجب علينا أن نجتهد من أجله . بينما البحث عن الشهوات الدنيوية يضعنا في موقع "الخطيئة".






بالإضافة إلى ذلك ، فقد مررنا بقرن كامل يتحدّث عن الفيزياء الكمية و النظريات النسبية و الهولوغرام و غيرها من النظريات التي تقول أن عالم الأشياء الصلبة المحيطة بنا هو ليس سوى عالم من الجزيئات الذرية ، تتحرّك على الدوام داخل و خارج الوجود في بعد رابع غير ملموس أو مدرك ، و يرتفع بعاملي المكان و الزمان إلى كيان موحّد عظيم .

بالرغم من كل هذه الأفكار التي سمعناها على مدى التاريخ ، يبدو أننا لازلنا نجد صعوبة في أن نصدّق بغير أن العالم هو كما نراه من النظرة الأولى ، مهما حاولت الأفكار العصرية و التقليدية ( الأديان ) أن تذكّرنا بأن " لا ننخدع بالمظاهر". لكن يبدو أننا نشعر بارتياح أكثر في عيش حياتنا اليومية ، و العالم الذي ندركه بحواسنا الخمسة (المحدودة) ، هو في نظرنا الواقع بحدّ ذاته .

يمكن أن نتقبّل ، كأفراد عقلاء ، ما يقوله العلم و الفلسفة و حتى التعاليم الصوفية ، التي تتحدّث جميعها عن الواقع من زاوية مختلفة تماماً . و قد نسلّم بهذا الكلام على أنه الحقيقة ، لكن تبدو هذه الأفكار غير عملية في حياتنا اليومية ، حيث الصراع المستمر للبقاء ، مثل تأمين لقمة العيش ، دفع الضرائب ، علاقات غرامية ، حروب ، الانشغال بإيجاد وساءل جديدة للتقدّم والارتقاء في الحياة ، و غيرها من هموم دنيوية متعددة . فلا يهمنا إذا كان الضوء هو موجة أو جزيء كما يتجادل عليه العلماء ، أو ما يقوله لنا الفيزيائي ديفيد بوهم بأن العالم هو هولوغرام ، متعدّد الأبعاد . مهما كانت حقيقة هذه الدنيا ، فنحن وجدناها كما نراها الآن . جئنا إلى هذه الحياة و وجدنا الكثير من المشاكل الحياتية بانتظارنا ، ففرض علينا أن نكون عمليين أكثر ، واقعيين أكثر ، دنيويين أكثر . فلا وقت للتأمّل أو التعمّق في خفايا هذه الدنيا و غموض معانيها .

قد يكون الكلام السابق صحيح ، لكن بنفس الوقت ، يمكن أن يكون توجّه خاطئ . فليس هناك مشكلة في أن نفعل ما بوسعنا من أجل البقاء ، و حتى الارتقاء في هذا العالم . لكن المشكلة هي أننا ، خلال هذا الصراع الدنيوي المرير ، ننسى بأنه هناك واقع آخر ، شيء خفي عميق يتجاوز الواقع الملموس . و نتيجة لذلك ، نصبح سطحيين في تفكيرنا و سلوكنا . و إن لم نخترق هذا الحاجز الفكري الوهمي و نتعمّق في خفايا الحياة الغامضة ، سوف نبقى دون عمق . و عن طريق اكتشاف أعماقنا نجد أنفسنا و أرواحنا التي هي وراء المادة ، و هذا لو أنّكم تعلمون ، هو الأهم .


الحقيقة


الناس لا يعرفون الحقيقة ولا يفطنون لها أبداً ، و قليلاً ما يستخدمون وعيهم بشكل كامل في خوضهم معترك الحياة . فالعقل الواعي لديه القدرة على التفكير ، و الإرادة ، و المنطق الذي يقوم بتحليل الأشياء ، و يتخذ القرارات على أساسها . الناس مخطؤن في اعتبارهم أن أفعالهم واعية ، و هي في الحقيقة ليست سوى أفعال و ردود أفعال أوتوماتيكية صادرة من عقولهم الباطنة ، المبرمجة منذ ولادتهم . إنهم لا يستخدمون قوة الإرادة لحثّ أنفسهم لفعل ما يجب فعله عندما لا يشعرون بفعله . إنهم لا يأبهون بتحليل الأشياء ، و إيجاد الحلول الجديدة لصالحهم . إنهم يفضلون الاقتناع بما تقوله عاداتهم و تقاليدهم المهترءة ، و ما تمليه عليهم السلطة الاجتماعية الفولكلورية بجميع مظاهرها و أشكالها ، بالإضافة إلى المنهج العلمي السائد ( الذي يبحث في نصف الحقيقة فقط ) ، و نادراً ما يتخذون القرارات الجديدة .

إنهم يسمحون ، بكل بساطة ، للقناعات المبرمجة في عقولهم الباطنة بإدارة شؤونهم اليومية . مع أن بعض البرمجات لا تعكس قناعات الشخص الحقيقيّةً ، لكنه يطيعها دون وعي أو تفكير . فهو لا يعرف و لا يريد أن يعرف أساساً ، أن هذه القناعات التي تبرمج عليها ، و كذلك آباؤه و أجداده من قبله ، هي ليست سوى برمجة شاملة للعقول ، و غالباً ما كانت لصالح المبرمِج الذي كان يمثّل سلطة اجتماعية أو علمية معيّنة في فترة من فترات التاريخ ، فتوارثتها الأجيال عبر الزمان ، إلى أن أصبحت مسلّمات لا يمكن تجاوزها أبداً . و الويل لمن يحاول أن يتعرّض لها ..!.







هناك حقيقة معروفة عند العاملين في مجال السياسة و الإعلام و غيرها من مجالات تتعامل مع المجتمعات و ليس الأشخاص بالمفرد . هذه الحقيقة تقول :

قد يظهر الفرد أحياناً بعض من الحكمة و الذكاء في سلوكه و توجهه ، لكن المجتمعات و الشعوب دائما ما أظهرت الغباء !.

يعلم المختصّون جيداً أنه يمكن لفكرة معيّنة أو اعتقاد ما أن ينتشر بين الشعوب كما ينتشر الوباء , فتحكم هذه الفكرة عقول الناس دون أي محاولة منهم للنظر بمدى مصداقيتها فيتداولوها و يتعاملوا معها كحقيقة واقعية مسلّم بها . و مهما حاول بعض العقلاء من الناس في تكذيب هذه الفكرة أو مناقشتها ، سوف لن ينجحوا بذلك أبداً ، لأن هذه الفكرة قد انتشرت و سادت و رسخت في العقول ، و تشبه محاولة تفنيدها أو دحضها كالوقوف بوجه نهر جارف لا يمكن مقاومته أو صدّه ، حتى أن هؤلاء العقلاء قد ينجرفون مع تيار هذا النهر فيما بعد . أليس هكذا تنتشر الإشاعات ؟. و قد أصبحت صناعة الإشاعات علماً قائما بحد ذاته تعتمد عليه جهات مالية و أمنية و تجارية و إعلامية و إعلانية وغيرها من مؤسسات تتعامل مع الشعوب و الجماهير بشكل عام ..



لكن الخطر يتجسّد عندما تكون هذه الفكرة مدعومة من قبل السلطات السائدة ( روحية أو سياسية أو علمية أو غيرها ) . فحينها لا يمكن لأي عاقل أن يحاول التطرّق لها أو طرح فكرة جديدة مناقضة لها ، لأن هذا قد يعتبر تهديداً لمسلمات هذه السلطة التي يعمل رجالها دائماً على مواجهة الأفكار الجديدة بشراسة قد تكلّف أصحابها حياتهم أحياناً !. ( كما سوف نرى فيما بعد ) .

و بعد مرور سنين طويلة على فرض هذه الأفكار ، و بعد ظهور أجيال جديدة نشأت عليها و تشرّبت منها حتى الثمالة ، تدخل هذه الأفكار تلقائياً في وعي الشعوب ثم في التركيبة الاجتماعية ، فتصبح فيما بعد عبارة عن مسلمات لا يمكن تجاوزها أبداً .

و بدلاً من أن تستمرّ السلطة السائدة بعمل الرقيب الذي يحاسب الخارجين عن المنطق المفروض ، يصبح المجتمع بكامله هو الذي يدير هذه العملية تلقائياً ، فيقوم بمعاقبة الخارجين عن هذه الأعراف و المسلمات بشكل تلقائي !.




و بما أن الإنسان الذي نشأ على إعطاء أهمية كبيرة لرأي المجتمع المحيط به ، فهو بالتالي يعتمد على هذه الآراء اعتمادا كبيراً ، فلا يستطيع أن يخرج عن القطيع و يسبب لنفسه النفور الاجتماعي بسبب إعلانه عن قناعته بفكرة معيّنة شاذة عن العرف الاجتماعي السائد . فيفضّل مسايرة التيار وليس السير بعكسه .

لقد تطرّق عالم النفس "كارل جونغ" لهذا الأمر بمفهوم " القـناع " PERSONA ، و هو القناع الذي نرتديه ، أو الشخصية المصطنعة التي نظهر بها أمام الناس . يقول جونغ أنه ما من مشكلة في وضع هذا القناع ، بل أنه ضروري إذا أردنا أن نتماشى مع التيار الاجتماعي . يجب علينا أن نستخدمه كي نتماشى مع القوانين و العادات و التقاليد الاجتماعية ، و كأننا متحمسين لذلك ، فهذا ضروري لنا إذا أردنا العيش المريح نفسياً و معنوياً ، و البقاء في تناغم كامل مع المنظومة الاجتماعية . لكن المشكلة تبدأ بالتفاقم عندما يبدأ الإنسان بتقمّص شخصية ذلك القناع فعلاً ، أي يبدأ الإنسان بالإيمان بأن تلك الشخصية التي اتخذها كوسيلة للتماشي مع المجتمع هي تجسيد حقيقي لشخصيته .

بمعنى آخر : "يبدأ هذا الإنسان بخداع نفسه".



هكذا تترسّخ المعتقدات و القناعات ، بصرف النظر عن مدى صدقيتها . و الذي يجعلنا ندافع عن تلك القناعات التي نشأنا عليها هو ليس لأنها صحيحة ، أو ليس من الضرورة أن تكون صحيحة ، بل السبب يعود إلى أننا نشأنا عليها منذ ولادتنا و تعوّدنا عليها و لم نتعرّف على الجانب الآخر من القصّة . لقد اعتدنا على النظر إلى الحياة من زاوية واحدة فقط و لم تسنح لنا الفرصة للنظر من الزوايا الأخرى .. و من سيجرؤ على إعطائنا هذه الفرصة طالما أنها تعتبر خروج عن المسلمات ؟.

و هذا الواقع الأليم جعل الكثير من الناس ، مهما كانت مستوياتهم الفكرية و الثقافية و العلمية ، يواجهون صعوبة في تقبّل ظواهر أو حقائق غير مألوفة لديهم ، و لا تناسب المنطق الذي نشؤ عليه . و نلاحظ أحياناً أن هذا النفور أو المقاومة التي يبديها الإنسان تجاه الأفكار الجديدة هي عملية لاواعية خارجة عن إرادته . و سبب هذا لا يعود لعوامل اجتماعية أو فكرية فحسب ، بل يبدو أنه هناك عامل نفسي أيضاً !.. و السبب هو أن للعقل قسم خفي سماه علماء النفس بالعقل الباطن و هو مخزون تجاربنا اليومية التي تتكرّر يومياً ، و هو المسئول أيضاً عن بعض الأفعال اللاإرادية (الأوتوماتيكية) . لكنه بنفس الوقت يعمل كرقيب ، يمنع الأفكار الغير مألوفة من الدخول إلى مخزونه ألمعلوماتي الذي يختزن أفكار مبرمجة منذ الطفولة . فلا يمكن أن نستوعب فكرة معيّنة إلا إذا توافقت مع ما هو مبرمج مسبقاً في عقلنا الباطن . فهناك حاجز غير ملموس في ذهننا يسمّونه "حاجز العقل" أو "العقلية الناقدة" أو " الحاجز الحرج" Critical Faculty ، و لا يمكن للأفكار أن تخترقه بسهولة .




و عندما يولد الطفل ، يكون هذا الحاجز غير موجود تقريباً ، فيقوم الطفل خلال نموه مع الأيام ، بامتصاص جميع الانطباعات و المعلومات المحيطة به كقطعة الإسفنج ، كل شيء يكون مقبولاً له ، فيسجّله العقل الباطن ، و هذا هو السبب الذي يمكّن الطفل من تعلّم كل ما استحوذ على اهتمامه بسرعة و سهولة كبيرة .

لكن خلال خوض هؤلاء الأطفال في مرحلة التعلّم ، واستيعاب المعلومات المختلفة من محيطهم ، يكون "الحاجز" الذي تكلّمنا عنه في حالة نمو تلقائي . و في سن السابعة تقريباً يكون هذا الحاجز قد اكتمل نموه ، فبينما يكمل الطفل بعدها مسيرته في التعلّم و التعرّض لكميات كبيرة من المعلومات و المفاهيم و العادات و غيرها ، يبدأ حينها بعملية التصفية ، أي يتقبّل منها فقط المفاهيم و المعلومات التي سبق و تقبّلها قبل اكتمال "الحاجز الحرج"، أما المعلومات الأخرى فيرفضها تماماً .

المشكلة تكمن في الاعتياد على نظرة محدّدة للحياة ، و هو السبب في عدم استطاعة الأشخاص البالغين ، بجميع مستوياتهم العلمية و الثقافية ، استيعاب المفاهيم الغريبة عن أعرافهم و معارفهم التقليدية .

يمكن أن نشبه دماغ الإنسان في هذه الحالة كجهاز الكمبيوتر ، و عقله هو البرنامج الذي زوّد به هذا الجهاز ، فمهما كانت درجة الذكاء و الوعي الذي اتصف به هذا الإنسان لا يمكنه تجاوز حدود هذا البرنامج الذي زوّد به . و إذا كان هذا البرنامج يحتوي على معطيات خاطئة سوف يخرج الكمبيوتر دائماً بأجوبة خاطئة !.. فالمشكلة ليست بالكمبيوتر و قدرته الهائلة على معالجة المعلومات ، بل بالبرنامج الذي زوّد به .

إذا افترضنا أن هناك مجتمع مثلاً ، يتعلّم فيه الطفل الصغير من والديه الحنونين بأن 2+2=3 ، و يتعلّم هذه المعادلة ذاتها في المدرسة ، من الحضانة مروراً بالابتدائية ثم الثانوية إلى أن يصل إلى الجامعة حيث يسمع البروفيسور المرموق ذات الثقافة العالية يصرّ على أن 2+2=3 ، و يسمعها في أجهزة الإعلام ، في الراديو و التلفزيون و الصحف و غيرها ، و القانون النافذ في هذا المجتمع يعتمد على هذه المعادلة و يدعمها ، فليس مستغرباً إذا رأينا في هذا المجتمع أشخاص نافذين يحتلون مناصب عالية ، علمية سياسية اجتماعية ، يعتقدون بكل جديّة بأن 2+2=3 ! و يعتبرونها حقيقة مسلّم بها ، و يقرّون سياساتهم على هذا الأساس !.

و إذا نظرنا إلى التاريخ الإنساني الطويل ، نرى الكثير من الأمثلة الموجودة على أرض الواقع . و غالباً ما نرى أيديولوجيات و أفكار خاطئة حكمت عقول الناس لآلاف السنين ! و شعوب بكاملها أبيدت باسم تلك الأفكار ! أبيدو بمئات الملايين ! . أهم تلك الأفكار و أكثرها وقعاً على الشعوب هي أفكار العهد القديم !...... الم تزل أفكار "العهد القديم" ( التوراة) تحكم الشعوب التي تعتبر الأكثر تقدماً بمستواهم الفكري العلماني الراقي ؟ ... "العهد القديم" الذي يروي لنا كيف أن أبطال رواياته المقدّسين ، يعرضون زوجاتهم على الملوك و الفراعنة مقابل سلامتهم . و الملك المقدّس الذي يرسل قائد جيشه للموت في المعركة من أجل الاستفراد بزوجته و الحصول عليها ، ثم أنجبت له ولداً مقدساً أصبح له باع طويل فيما بعد . و الإمرأة التي تتنكّر بشخصية (بائعة الهوى) و تنام مع الوالد المقدّس لزوجها (العقيم) من أجل أن تلد منه ولداً مقدّساً ، و ذلك للمحافظة على "السلالة المقدّسة" . و الإبن الذي يتآمر مع والدته على أبيه المقدّس الأعمى كي يحصل على بركته الإلهية التي هي من استحقاق أخيه الآخر . و الفتاة القديسة التي جندوها حكماء شعبها المقدّسون في مهمة تآمرية خطيرة ضد الملك الذي كان يأسر شعبها ، فأغوته بجمالها الساحر ، فأحبها ، و ..... , و من أجل عينيها ، قام بتحرير شعبها من الأسر ، فعاد و انتشر في الأرض ( و انتشر معه الفساد من جديد ) . هؤلاء هم شعب الله المختار ..! الشعب المقدّس الذي دعا إلى إبادة الشعوب و بقر بطون النساء الحاملات و قتل الأطفال تعذيباً ( ضرباً على الصخور حتى الموت ! ) و حرق الأشجار و قتل المواشي و الدواجن و كل ما له صلة بالأعداء !.



هذه الأفكار حكمت أوروبا منذ ألف وخمسمائة عام !. لكنكم ربما تتساءلون : كيف يمكن أن تحكم هذه الأفكار عقول الشعوب ؟ أليس هناك بينهم عقلاء و حكماء يستطيعون استئصالها و محوها من العقول ؟. الجواب هو السيف !. و المحرقة !. و قطع الألسن !. و بقر البطون !. و حرق العيون !. و .. و .... و غيرها من أعمال كان يتعرّض لها الفلاسفة و المفكرين ، مجرّد أن فكروا بمناقشة هذه المسلمات المقدّسة !. و بعد عدة عقود من هذا الحكم الأيديولوجي الأكثر استبداداً في تاريخ الشعوب ، راحت أوروبا تفرّخ أجيالاً من المؤمنين بهذه الأفكار إيماناً مطلقا ً!. حتى الذين كانوا يعتبرون الأكثر ثقافة و علماً ! و راحوا ينظرون إلى الشعوب الأخرى معتمدين على تلك الأفكار !. و بعد ألف عام ، حمل المكتشفون الأوروبيون ( في عصر الاكتشافات ) هذه المبادئ المقدسّة لنشرها بين الشعوب "البدائية" في العالم الجديد , و استلهموا من تلك الحكايات و التعاليم المقدّسة أخلاقهم الإنسانية و رحمتهم المطلقة ، فقاموا بإبادة ما يقارب " ثلاث مئة مليون " رجل و طفل و امرأة ، بين أستراليا و أمريكا الجنوبية و الشمالية و أفريقيا و مناطق أخرى في العالم (بحجّة القضاء على الكفار و نشر الإيمان ! ) . و أصبح "العهد القديم " هو الأكثر انتشارا في العالم ، مفروض على الشعوب ، على الصغار و الكبار ، رجال و نساء ، حكومات و جماهير ، و يستخدم هذا الكتاب لأداء القسم و الحلفان أمام القضاة ! .. بينما كتاب " الأخلاق" للفيلسوف أرسطو ، لازال يكسوه الغبار على رفوف المكتبات و لا يلتفت إليه سوى القلّة القليلة من المثقفين ( للمطالعة فقط ! ) .


البحارة الأوروبيون يكتشفون العالم الجديد



و ها نحن الآن ، في هذا العصر الحديث ، في القرن الواحد و العشرين ، زمن العلمانية و التحرر الفكري ، نستمع إلى رئيس أرقى دولة في العالم ، القوّة الوحيدة في الساحة الدولية ، يتحدث عن معركة ( أرماغادون ! ) و جيش يأجوج و مأجوج ! و شعب إسرائيل المقدّس ! و جبل صهيون ! و هيكل سليمان ! و المعركة الفاصلة بين الكفار و المؤمنين ! .. هكذا بكل بساطة !. و لماذا نستغرب ما نسمعه ؟ ألم تستلهم الحكومات التي سبقته الوحي المقدّس الذي ألهمها بإسقاط القنابل الذرية على اليابان ( بلد الكفار ! ) ؟ و قتل أكثر من 150.000 إنسان خلال دقائق معدودة ؟... دون أن يرمش للفاعلين جفن !..دون أن يهتزّ فيهم واعز ضمير ..! و لماذا يتأثرون وهم ينفذون كلمة الله ..؟ هذا مثال واضح على أنه ليس من الضرورة للفكر السائد أن يكون فكر ذات مصداقية أو له أساس صحيح .

هناك فرق كبير بين الفكر السائد و الفكر الصحيح



فالتفكير الواعي هو الأداة التي تسمح لنا بخلق حياة مناسبة لاختيارنا الشخصي . و لكي يتمكن عقلنا الواعي من اتخاذ قرار منافي للقناعات المبرمجة ، يجب بالتالي أن نحصل على معلومات جديدة ، لفهم تلك الزاوية من الحياة التي لازالت غامضة بالنسبة لنا . لهذا السبب ، فإن العلم و المعرفة هما عاملان مهمّان جداً في هذا المجال . لكن أي علم و أي معرفة ؟ ... كيف نستطيع الحصول على العلم الصحيح ؟ من الذي سيرشدنا إلى الحقيقة ؟.. كيف نستطيع معرفة الحقيقة في الوقت الذي يتم غربلتها و تنقيتها و معالجتها و إخضاعها لعمليات جراحية عديدة من قبل سلطات عديدة قبل أن تصل إلى الشعوب . تصل الحقيقة إلينا مشوّهة لا شكل لها و لا لون ، مفرغة من محتوياتها تماماً ! فنرميها جانباً و نكمل السير في الحياة معتمدين على القليل من ما حصلنا عليه من معرفة و حكمة متوارثة من أسلافنا الجهلاء .

منذ ولادتنا في هذه الدنيا ، نبدأ الخوض في معترك هذه الحياة ، و نبدأ بتعلّم أشياء كثيرة . فنتعلّم كيف نمشي ، و كيف نتكلّم ، و كيف نتصرّف و كيف نكتب و نقرأ .. ، و كيف نحل المسائل الرياضية و فيزيائية ، و غير ذلك من تعاليم تحضيرية مختلفة ، ثم نجد أنفسنا و قد دخلنا على منهج علمي محدّد ، يعتمد على أيديولوجيا محدّدة ، مفاهيم علمية محدّدة ، و منطق محدود لا يمكن تجاوزه أو الخروج عن حدوده المرسومة بعناية . يطلعنا المدرّسون على علوم مختلفة و نتعرّف على حقائق مختلفة ، تاريخية و علمية و غيرها ، كل ذلك من أجل التقدم و الارتقاء في هذه الدنيا الزائلة ! لكن لا أحد يعلّمنا كيف نستخدم عقولنا...! لا أحد يطلعنا على الحقيقة ..! كيف نتعلّم ، و ليس هناك من يعلّمنا ؟!..

إننا مخدوعين برجال العلم ! مهما ارتقت مستوياتهم العلمية و الأكاديمية ! و نسير ورائهم ظناً منا أن الحقيقة هي في حوزتهم ، و أنهم لا يخطؤن أبداً ! مع أن أقوالهم لا تمثّل الحقيقة ! فهي ليست سوى قناعات و مفاهيم محدودة تبرمجوا عليها في مراحل دراستهم للمنهج العلمي الذي سلكوه من قبلنا ، و هذا المنهج هو عبارة عن برنامج يخضع لقوانين محدّدة و أيديولوجيات محددة و حقائق محددة ، لا يمكن تجاوزها أبداً !.. فهذا البرنامج لا يظهر الحقيقة كاملة . إن ما نتعلمه و نهضمه من علوم و معارف مختلفة هي عبارة عن منطق يمثّل جزء من الحقيقة ، منطق مفروض علينا من قبل بيروقراطية علمية متسلّطة لا تقبل الأفكار الجديدة . و شاءت الأقدار لهذا المنطق أن يسود في إحدى فترات التاريخ بعد أن انتصر رجاله على رجال منطق آخر ( و ليس من الضرورة بأن يتحقّق هذا الانتصار نتيجة قوة الحجّة و الإثباتات التي قدمها رجال المنطق المنتصر ، بل قد تكون نتيجة مؤامرات و اغتيالات و عمليات تزوير و إخفاء و تحريف في المفاهيم ! ) . إن الأمر هو عبارة عن صراع مؤسسات علمية و ليس صراع حقائق علمية ! و المؤسسة العلمية السائدة هي التي تفرض منطقها على الجميع ، بغض النظر عن مدى مصداقيتها ! هكذا تضيع الحقيقة ! فليس من الضروري أن يكون المنطق السائد هو منطق صحيح .

هناك فرق بين المنطق السائد و المنطق الصحيح



إذا ألقينا نظرة على المناهج التعليمية التي تقوم بتنشئة العقول اليافعة البريئة ، و المستعدّة لتقبّل كل شيء و استيعاب المعلومات المختلفة دون تردد ، أوّل ما يلفت نظرنا هو مادة التاريخ . طبعاً أنا لا أقصد التاريخ الذي تتفنن كل أمة في كتابته على هواها و تحريفه لصالحها في محاولة منها لإيجاد أبطال عظماء ترعرعوا في رحابها و شاركوا في صناعة أمجادها المصطنعة . ( التاريخ المزوّر )



إن ما أقصده هو تاريخ الحضارات الإنسانية عامة ، و الذي هو من اختصاص علماء الانثروبولوجيا ( علم يتناول الثقافات و الحضارات الإنسانية ) ، الذين فرضوا علينا حقيقة أن الحضارات الإنسانية يعود تاريخها إلى عشرة آلاف عام فقط ، و ليس أكثر من ذلك . أليس هذا ما تعلمناه ؟. أما الفترة التي سبقت هذا التاريخ ، فكان الإنسان حينها عبارة عن كائن متنقّل من مكان لآخر يعتاش على الصيد و قطف الثمار ، ثم استقرّ بالقرب من مصادر المياه الدائمة كالأنهار و البحيرات ، فاكتشف الزراعة ، ثم أقيمت المستوطنات الصغيرة ، ثم كبرت و أصبحت مدن ، ثم حضارات ، و هكذا .... أليس هذا ما نعتقده و نؤمن به ؟.

لكن الذي لا نعرفه هو وجود وثائق مقدمة من قبل علماء آثار و أنثروبولوجيا مرموقين تحتوي على اكتشافات و دلائل و إثباتات لا تحصى تشير إلى أن في فترة من الفترات التاريخ السحيقة كان هناك حضارات متقدمة جداً عاشت و ازدهرت على هذه الأرض ! و يعود تاريخها لمئات ألألوف من السنين !..

و قد أخفيت هذه الوثائق تماماً عن الشعوب من قبل جهات معيّنة !.. لقد درسنا تاريخ الإنسان منذ أن كان يسكن الكهوف إلى أن أصبح ما هو عليه الآن ، لكننا لم نتساءل يوماً أين كان هذا الإنسان قبل أن دخل الكهوف و لماذا سكنها و احتمى بها !.. ( تاريخ الإنسانية المزوّر )

و ها نحن الآن نتعلّم نظرية داروين الذي أرجع أصل الإنسان إلى قرد ! لكن هذه النظرية لم تكتمل بعد بسبب وجود فجوة في مسيرة عملية التطوّر ، هناك قرد مفقود من بين سلسلة القرود الطويلة التي رسمها لنا أتباع داروين . و لازالوا يبحثون عن هذه الحلقة المفقودة . و ها نحن ننتظر اكتمال النظرية لتزيل الحسرة من صدورنا . لكننا لم نفكر يوماً بأن نقرأ إحدى الدراسات أو الكتب المنبوذة من قبل المؤسسة العلمية السائدة ، ليس لأن هذه الدراسات غير صحيحة بل لأنها تتناقض مع توجهات المؤسسة الملتوية . مثل كتاب " علم الآثار المحرّم " 1993، للمؤلفان : مايكل كريمو ، و ريشارد ثومبسون . اللذان أوردا عدد كبير من الدلائل و البراهين و الأوراق الموثّقة و بقايا عظام إنسانية ، بالإضافة إلى أدوات و مصنوعات و غيرها من آثار تشير إلى أن بشراً مثلنا ( يشبهونا تماماً ) قد عاشوا على هذه الأرض منذ ملايين السنين ! ( أي قبل قرود داروين بكثير ) !.

و قدّم الكاتبان إثباتات مقنعة تدلّ على أن المؤسسة العلمية قامت بإخماد و قمع و تجاهل هذه الحقائق تماماً ! لأنها تتناقض مع الرؤية العلمية المعاصرة تجاه أصول الإنسان و منابع ثقافاته و معتقداته !.

أما علماء البايولوجيا المحترمين ، أنصار المنهج العلمي السائد ، فلازالوا مقتنعين بأن للإنسان خمسة حواس فقط ، يطلّ من خلالها إلى العالم المحيط به . ( البصر ، السمع ، الشم ، الذوق ، اللمس ) . أما نحن الجماهير المغلوب على أمرها ، فنقبل بهذه الحقائق كمسلّمات لا يمكن تجاوزها . لأن أسيادنا العلميين أقرّوا بذلك . لكننا لم نسمع تصريحات و نتائج أبحاث المئات من العلماء البارزين ، و التي تعود إلى الخمسينات من القرن الماضي ، و الذين يؤكّدون أن عدد حواس الإنسان يفوق عدد الحواس الخمسة .

و آخر هذه الدراسات ، قدّمت إلى الأمم المتحدة في العام 1994م ، من قبل مجموعة من العلماء ، تشير إلى وجود سبعة عشر حاسة مثبتة علمياً ! يملكها الإنسان لكنه يجهل وجودها تماماً ! و يطلبون من المؤسسات العلمية إدخال هذه الحقائق إلى المناهج الدراسية كي تتمكن الشعوب من التعرّف عليها و من ثم إدخالها إلى حياتهم اليومية و استخدامها كباقي الحواس الأخرى ... لكن ..لا حياة لمن تنادي ..

أما إذا توجهنا إلى علم الفيزياء ، فنرى أن أسياد هذا العلم لازالوا يعتبرون بشكل مسلّم به أن الكون هو عبارة عن نظام ميكانيكي عملاق يسير وفق قوانين الحركة التي وضعها إسحاق نيوتن ، و التي قامت بوضع حدود ثابتة للمكان و مسار محدّد للزمان . هذه القوانين التي حكمت طريقة تفكيرنا منذ القرن السادس عشر ، و لازالت مناهجنا التعليمية تسلك هذا التوجّه حتى اليوم ، بالإضافة إلى أن جوانب كثيرة من حياتنا قد تأثرت بهذا النظام الفكري القديم . رغم مرور قرن كامل على ظهور نظريات مثل النظرية النسبية ، و النظرية الجزيئية ، و النظرية الكمية ، و النظرية الهولوغرافية و غيرها من نظريات تختلف رؤيتها للواقع تماماً . جميعها تقول أن في هذا الكون الكبير ، جميع الأشياء متصلة و متداخلة ببعضها البعض . أما " الزمن " ، فقد أثبت أنه ليس له حدود ثابتة و لا توجّه محدّد . و هناك حالات قد ينحرف فيها الزمن مما يجعله يتوجّه إلى الخلف أو الأمام أو حتى الجمود في مكانه !.

جميع النظريات العصرية تشير إلى وجود حقل عظيم يكمن وراء عالمنا المادي الملموس . و هذا الحقل يشمل كل شيء . إن الأشياء التي نراها من حولنا و التي نظنّ أنها صلبة هي ليست سوى كتل من الطاقة !. جميع الأشياء التي نراها كالنجوم و المجموعات الشمسية و الجبال و الأشجار و الفراشات ، جميعها متصلة ببعضها البعض كحقول طاقة كمية ، و كلها تتوحّد في النهاية بحقل واحد عظيم ، واقع مطلق يشكّل الأساس النهائي للوجود .

هذا المفهوم الجديد للوجود ساعد العلماء على التوصّل إلى اكتشاف ظواهر كثيرة أدهشتهم في البداية ، لكنهم قبلوا بها كواقع ملموس . كتلك التي تسمى بظاهرة "إنعدام الخاصية المكانية " ، أي إذا انقسم جسم مادي معيّن إلى قسمين ، يبقى بين هذين القسمين نوع من الاتصال ، مهما بعدت المسافة بينهما !. هذا الاكتشاف الفيزيائي الجديد يشير إلى أن الأجسام المادية المتباعدة قد تتواصل فيما بينها بحيث أن عاملي المكان ( بعد المسافة ) و الزمان ( الفارق الزمني ) لا يشكلان أي عائق يذكر !.

لكن كم منا يستطيع استيعاب هذه الحقيقة ؟. هل نحن محضّرين مسبقاً للتعامل مع هذه المسلّمات الجديدة ؟.

أما إذا مررنا بمجال علم النفس ، نجد أنفسنا أمام تخبّط كبير يعاني منه علماء المنهج العلمي في هذا المجال . ففي الوقت الذي لازالوا يدرّسون مواضيع بالية مثل : الفعل و رد الفعل ، الاستجابة ، المنبّه و التنبيه ، و غيرها من مصطلحات يقومون بتسلية الطلاب بها ، نراهم في نفس الوقت واقعين في حيرة كبيرة أمام أسئلة مهمة مثل : ما هو العقل ؟ أين توجد الذاكرة ؟ هل العقل منفصل عن الجسد ( ديكارت ) ؟ أم أنه جزء لا يتجزّأ منه ؟ هل العقل يصدر من الدماغ ؟ .. و غيرها من تساؤلات لا أجوبة مقنعة لها حتى الآن .

لكن المعلومات السرية التي جاءتنا من وراء الستار الحديدي ( الاتحاد السوفيتي السابق ) حملت لنا الكثير من الحقائق التي ألهمت العلماء و فتحت أمامهم آفاق جديدة لم تكن في الحسبان . لقد ظهر في الساحة العلمية ما يسمى بحقل الطاقة الإنساني ! أو الحقل البايوبلازمي بالمفهوم السوفييتي . و أدّت نتائج التجارب التي أقيمت حول هذا الحقل البلازمي المحيط بجسم الإنسان إلى ظهور الكثير من الأجوبة التي طالما بحث عنها العلماء حول موضوع العقل و متاهاته المتعددة .

إن الحقائق السابقة و الكثير غيرها لازالت تخضع للتعتيم و محاولات الإخماد و القمع من قبل جهات عديدة . رغم الكميات الهائلة من المعلومات التي تسرّبت من العتمة إلى النور بفضل الشرفاء الذين يهدفون إلى خدمة الإنسانية عن طريق قول الحقيقة ، إلا أنها لازالت تعتبر أفكار بعيدة عن المنطق المألوف ، و هذا ما يجعلها غير قابلة للاستيعاب من قبل الشعوب .

و بنفس الوقت ، فقد عانت هذه العلوم الغير تقليدية عبر سنين طويلة من حملة عدوانية شرسة غير مبرّرة عبر وسائل الإعلام و الجامعات و الأكاديميات المختلفة . بالإضافة إلى بعض المؤسسات الدينية . و قد تم إخفاء ذلك الكم الهائل من الاكتشافات التي حققها العديد من العلماء و الباحثين الجادين . و منها تم تحريفه و البعض الآخر تم تجاهله تماماً !.

و سُمح لرجال بارزين تابعين للمنهج العلمي السائد ، ذات سلطة أكاديمية كبيرة ، أن يطلّوا على الجماهير بحريّة كبيرة عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ، و يخدعون الشعوب بأكاذيب مختلفة تهدف إلى الاستهتار بتلك الحقائق و الاكتشافات العلمية ، دون رادع أو رقيب ، و عملوا على إقناع الجماهير باستبعاد حقيقة وجودها .

و ليس على الجماهير سوى تصديق كل ما يقوله هؤلاء الرجال بسبب الجهل التام أو الجزئي عن هذا المجال و تلك الكميات الهائلة من الحقائق التي لم تجد سبيل للظهور إلى العلن لعدم وجود وسائل إعلامية أو أكاديمية تدعم هذا التوجّه الجديد أو تسمح بظهوره .

و طالما عانى الكثيرون من الذين يبحثون بإخلاص في هذا المجال المشوّق بتفاصيله التي تفتن القلوب ، و المتلهفين لاكتشاف تفاصيله اللامتناهية . لكنهم لم يستطيعوا الحصول على المعلومات المناسبة و الحقائق المجرّدة التي لم تطالها عمليات التشويه المقصودة من قبل الجهات المغرضة . أو ربما يعود السبب إلى انعدام المهارة في البحث و التدقيق أو حتى توفر الوقت الكافي للقراءة و المطالعة و استخلاص تلك المعلومات المتوفرة من مصادر معلوماتية مختلفة . و قد يسيء الوضع أكثر إذا كان الفرد يعيش في إحدى المجتمعات التي تعتبر هذه المواضيع عبارة عن محرمات لا يسمح بتداولها .

و لكي أكون أكثر وضوحاً ، أقول إنه ليس في نيّتي العمل على تغيير معتقدات أحد أو دينه أو علمانيته أو غيرها من مذاهب فكرية مختلفة . إن ما أقوم به هو ليس حملة تبشيرية لصالح جهة معيّنة أو غيرها من أعمال مشبوهة مبطنة بمآرب غير مستقيمة . هذه ليست مسألة إيمان أو اعتقاد ، إنها مجرّد إظهار و تقديم حقائق ثابتة لا يمكن نكرانها . إن ما ستحصلون عليه هو معلومات تخصّ واقع عالمنا الذي نعيش فيه ، لكننا نجهله .

و اكتشاف هذه المعلومات و الاتطلاع عليها قد يعمل على تغيير حياة الكثيرين أو على الأقل تعديل طريقة تفكيرهم و نظرتهم للحياة .

لكن في النهاية ، القرار يعود لكم . هناك معلومات يمكن أن ترفضوها تماماً ، و تقبلون بالأخرى . كل ما علي هو تقديمها كما هي ، آملاً الاستفادة منها إلى أقصى الحدود . هذا هو هدفي في المقام الأوّل .

لكن يجب التنبّه لمسألة هامة هي أن لا تكون يا عزيزي القارئ في ذلك الموقع الذي يجعلك ترفض المعلومات مهما كانت ذات مصداقية . فقط لأنها تتناقض مع معتقداتك الشخصية . فكما أسلفت سابقاً ، عندما يحصل تضارب بين الحقائق الجديدة و المعتقدات الشخصية يجب علينا البحث و التوسّع في المعلومات كي نتخطّى الحاجز العقلي الحرج الذي طالما عمل على إعاقة إدراكنا للحقيقة .

قد تكون المعلومات الواردة في هذا الكتاب غريبة على الكثيرين ، حتى المتعلمين ، ليس لأنها غير واقعية بل لأنها فوق علمية !. و هذا يجعله من الصعب استيعابها أو تقبلها في البداية . و طالما تحدّث العلماء و الباحثين في هذا المجال عن " عتبة التردّد " أي الحد الفكري الأقصى الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان في تجاوز حدود معتقداته التي نشأ عليها . ذلك الخط الأحمر الذي تمنعنا معتقداتنا من تجاوزه .

لكن يجب أن نتذكّر أنه ليس كل معلومة منافية لمعتقداتنا هي معلومة خاطئة أو غير واقعية . حيث يمكنها أن تفرض نفسها على الواقع مستقبلاً و تصبح حقيقة ثابتة لا يمكن نفيها .

تذكّروا أنه في إحدى فترات التاريخ سخر العلماء و رجال العلم من " غالفاني " مكتشف الكهرباء ! و سخروا من " جون بير " عندما تحدث عن التلفزيون ! و سخروا من الذين تحدثوا عن الأقمار الصناعية !. و تبيّن فيما بعد أن هؤلاء العلماء الساخرين الذين كانوا على رأس السلطة الأكاديمية في تلك الفترات قد أخطؤا تماماً ! و كان خطأهم فادحاً دفعت ثمنه الشعوب .

و يجب أن نتذكّر أن فكرة كوبرنيكوس عن دوران الأرض حول الشمس كانت بعيدة عن المنطق المألوف ! و فكرة الطيران كانت بعيدة عن المنطق المألوف ! و عملية طوفان أطنان من الحديد فوق سطح الماء هي فكرة خارجة عن المألوف ! لكنها أصبحت فيما بعد واقع حقيقي تتعايش معه الشعوب .

إن العالم في حالة تغير مستمر و بسرعة كبيرة . فنحن أبناء هذا الجيل الجديد كنا منذ عشرين عام فقط نعتبر الكمبيوتر و الهاتف الجوال و الانترنت عبارة عن خيال علمي ! لكنها أصبحت مألوفة الآن ! و دخلت إلى حياتنا اليومية حتى أنها أصبحت وسائل شبه أساسية يصعب الاستغناء عنها.

إن العصر الذي نحن مقبلون عليه سوف يكون مختلفاً ! و قد بدأنا نلتمس ثورة علمية و ثقافية و تكنولوجية جديدة في طريقها إلى الظهور ، مفهومها غير معروف لكنه يتضح مع مرور الوقت . إشارات كثيرة تدلّ على أن المستقبل القريب سوف يحكمه منطق جديد ، علم مختلف عن الذي اعتدنا عليه . مبادئ مختلفة ، ثقافة مختلفة ! .

أما نحن ( شعوب العالم الثالث إجمالاً ) ، فيبدو أننا سوف نجد صعوبة في استيعاب هذه المفاهيم الجديدة ! لأننا معتادين على نظرة محدّدة للحياة . لقد اعتدنا على أفكار و قناعات معيّنة .. و إن عملية تغيير هذه القناعات صعبة جداً ! .. و هذا يعدّ السبب الرئيسي في تأخرنا .

و المشكلة هي أن زمن التغيير قد أصبح قريب جداً !.. و لا يفصلنا سوى سنوات قليلة عن الصدمة ! . الوقوف وجهاً لوجه مع مفاهيم جديدة و منطق جديد !.. و لم تعمل أي جهة على تحضيرنا لذلك !. و سوف نقع في تخبط كبير ! مجهول العواقب !.

هذا يذكرني بالقصص الطريفة التي سمعتها ، و التي دارت أحداثها في بدايات ظهور الراديو و التلفزيون و المصباح الكهربائي اليدوي و غيرها من أجهزة دخلت فجأة إلى حياة أسلافنا ، دون تحضير مسبق أو حتى معرفة مسبقة بوجودها أصلاً .

كالقصة التي سمعتها عن جدّتي رحمها الله ، حيث كانت منشغلة يوماً في أعمالها المنزلية بينما كان الراديو شغّالاً ، و عندما ظهرت أغنية لفريد الأطرش ، أسرعت إليه و أطفأته ظناً منها أن الأغنية سوف تنتظر حتى يعود ابنها (والدي) و يستمع إليها لأنها أغنيته المفضّلة .! كما قامت في أحد الأيام بإنارة المصباح اليدوي بالخطأ و لم تعرف طريقة إطفائه ، فأسرعت برميه في وعاء من الماء خوفاً من أن يسبّب الحريق .

و في بداية السبعينات من القرن الماضي ، و بعد انتشار الكهرباء في جميع أنحاء البلاد ، بدأ جهاز التلفزيون يتسرّب إلى المنازل ، و تلك كانت فترة كوميدية بكل المقاييس . ففي إحدى القرى ، كان لأحد الناس شرف اقتناء أول تلفزيون في القرية . و في صباح أحد الأيام ، استيقض ليجد منزله مملوء بجمع غفير من الناس ، فسألهم إن كان قد حصل سوء أو مشكلة جعلتهم يجتمعون في هذا الوقت المبكّر من الصباح . فكانت المفاجأة المضحكة هي أن كل فريق منهم لديه مشكلة و يريد من صاحب التلفزيون أن يساعده في حلّها ..!

فالأوّل أضاع حماره و أراد من صاحب التلفزيون أن يطلعه على مكان وجوده . أما الثاني ، فأراد أن يطمئن عن أحوال ابنه في البرازيل . أما ألامرأة التي كان دورها في الكلام فقالت أنها تريد أن تعرف إذا الشاب الذي تقدم لخطبة ابنتها مناسباً لها .... و هكذا حتى آخر زائر ... فوقف صاحب التلفزيون مدهوشاً و حائراً كيف يشرح لهم و من أين يبدأ . أما هؤلاء الناس المساكين ، فقد سبق لهم أن سمعوا عن هذا الجهاز حيث قيل لهم أنه باستطاعة الإنسان أن يرى فيه أحداث تجري في أي موقع في العالم ، و كذلك يستطيع رؤية أشخاص يبعدون عنه آلاف الكيلومترات بنفس اللحظة ، و غيرها من ميزات اتصف بها التلفزيون ، لكن هؤلاء الناس أساؤا فهمها . و هناك جماعات أخرى كانت تظن أن التلفزيونات هي عبارة عن "صناديق" وضعت في داخلها مخلوقات صغيرة مشابهة " للجن" ، تقوم باستعراضات مختلفة في داخل الصندوق . و سمعت عن رجل دين قام بمقاطعة صديقه "أبو جهاد" لأنه أحسّ بالإهانة الشديدة عندما غمزته "سميرة توفيق" من داخل التلفزيون ، فاشتدّ غضبه و وصف المخلوقات التي في التلفزيون بقلال الأدب و اتهم صاحب التلفزيون بالكفر و الإلحاد و راح يقول للناس أن صندوق أبو جهاد بلا أدب ، بينما صندوق أبو محمود ، فهو مهذّب و يتقى الله ، ( فقد صادفت و حضر في تلفزيون أبو محمود حلقة من مسلسل ديني كلاسيكي) . و قد أغمي على إحدى النساء من الرعب الشديد لأنها رأت عبد الحليم حافظ يغنّي داخل التلفزيون ، و هي على علم أكيد بأنه قد توفي منذ سنة .!

أما القصص التي سمعناها عن الآلات الأخرى فهي كثيرة . كالرجل الذي قاد الجرّار (التراكتور) نحو الوادي و سقط فيه ، و عندما سألوه عن ما جرى ، فقال أنه أراد أن يقفز بجراره فوق الوادي ، و تساءل بحيرة كبيرة : كيف يمكن لحصان واحد أن يقوم بهذه المهمة السهلة (القفز فوق الوادي) بينما هذا الجرّار ، الذي هو بقوة سبعين حصان ، يعجز عن ذلك؟!.

لا نستطيع أن نحكم على هؤلاء الناس بأنهم مجرّدون من الذكاء أو متخلّفون . بالعكس تماماً ، فقد يتمتّعون بدرجة عالية من الذكاء أو الوعي . لكن المشكلة تكمن في جهلهم التام عن مفهوم هذه الوسائل الجديدة ، فنظرتهم إليها كانت منطلقة من الأعراف الشائعة في تلك الأيام ، و كانت نظرتهم إلى الحياة مختلفة تماماً . لكن بعد مرور سنوات على انتشار التلفزيون ، و بدأ الناس يألفون هذا الجهاز الجديد ، أصبح الأشخاص الذين أسلفنا ذكرهم يتابعون المسلسلات و ينسجمون مع البرامج ، و حتى بدءوا يضعون ملاحظات على أداء الممثلين و يقترحون أساليب مختلفة في الإخراج و غيرها ، مما يدلّ على أنه تغيّر مفهومهم كلّياً بخصوص هذه الظاهرة التي كانت في البداية غامضة و غير مألوفة ، فتغيّرت نظرتهم تجاهها ، و هذا هو المهم ، " النظر إلى ظاهرة معيّنة من الزاوية المناسبة" .

ها نحن الآن نواجه ظواهر جديدة ، مختلفة عن التعاليم التي نشأنا عليها ، هذه الظواهر التي فرضت نفسها علينا ، لا نستطيع نكرانها ، و ردود أفعالنا تجاهها ( مهما كانت مستوياتنا العلمية ) ، هي مشابهة لردود أفعال أسلافنا تجاه "التلفزيون" . لأننا لازلنا غير واعين ، لا نتعلّم من الأخطاء السابقة ، لم نحاول معرفة الحقيقة بأنفسنا ، و نفضّل السير مع التيار السائد ، فهل نستطيع أن ننجو من الصدمة المقبلة ؟.

نحن لازلنا من ضحايا المنهج العلمي القديم ، لكنه لازال المنطق السائد ، إنه المنهج النيوتوني الذي أعاق نمو إدراكنا الشمولي ، و منعنا من إدراك حقيقة أننا أكثر بكثير من ما نحن عليه . و قد أخطأنا في الماضي باتخاذه كوسيلة أو ملاذاً للتخلّص من الأفكار القديمة التي فرضتها علينا الأيديولوجيات الميتافيزيقية التي حكمتنا منذ فجر التاريخ ، التي انفردت بتفسير الوجود بمنظورها الضيّق ، لكن بعد انتقالنا إلى حضيرة المنهج النيوتوني، اكتشفنا أن منظوره لظواهر الوجود هو أضيق ! . أما الآن ، و مع تقدّم العلم و توسّعه الهائل ممّا جعله يطال مجالات عديدة لا تحصى . و بعد ظهور أفكار جديدة ، لا بدّ من أن يتم اكتشاف ظواهر جديدة . و قد لا نستطيع تفسير تلك الظواهر بالاعتماد على نظرياتنا الحالية ، لكن يجب أن نتقبّلها ، مهما كانت غريبة أو غامضة ، و يجب التعامل معها بعقول منفتحة ، بعكس ما فعله أسلافنا في الماضي ، فيجب حينها افتراض نظريات جديدة لتغطية هذه العلوم الجديدة ، و يجب تنظيم و إقامة تجارب جديدة حتى نتوصّل إلى توافق بين التجارب من جهة ، و برهان رياضياتي جديد من جهة أخرى .. حينها سوف تلاقي النظريات الجديدة القبول ، و سوف نعتبرها قوانين فيزيائية مسلّم بها . و عندما ندمج هذه القوانين الفيزيائية الجديدة في حياتنا اليومية ، سوف ننظر لأنفسنا نظرة مختلفة كلّياً ، من زاوية جديدة ، عقلية جديدة ، منهج جديد ، سلوك أخلاقي جديد .

فهل نحن مستعدّون لإعطاء أصحاب النظريات
الجديدة فرصة ؟

هل يمكن أن تجد الأفكار الجديدة مكاناً لها بين تلك المعتقدات التي نشأنا عليها ؟

هناك تعليق واحد: